أثر الذنب ومعاشرة الأشرار في أسوداد القلب
ورد في الحديث: "ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة. إن القلب ليواقع الخطيئة به حتى تقلب عليه فيصير أعلاه أسفله" كما ورد في أحاديث اخرى أن النفس كالصفحة البيضاء فإذا أذنب الإنسان ذنباً ظهرت نقطة سوداء فإن ندم واستغفر اختفت وإن استمر في ارتكاب الذنوب توسعت تلك النقطة السوداء؛ فإن لم يتدارك نفسه تغلب المساحة السوداء، وحينها لا يبقى هناك من أمل في عودته إلى جادة الصواب.
ويشير الحديث إلى الآية الكريمة (بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون). [المطففين: 14]
ليس العمل السيئ وحده الذي يؤثر في اسوداد القلب، بل هناك عوامل أخرى تؤثر على القلب سلباً وإيجاباً من بينها المحيط والبيئة والمعاشرة، فتأثير المعاشرة واضح جداً سواء على صعيد الخير أم الشر. إن من يعتقد بانتفاء أثر المعاشرة يغالط نفسه، ذلك أن الروح الآدمية شفافة سريعة التأثير حيث تجري التحولات داخل النفس دون شعور أو وعي لعدم ظهور الآثار المباشرة على الإنسان كما هو الحال في البدن، وللأسف لا توجد وسيلة لمعرفة ذلك لكي يمكن مثلاً أن يزن نفسه، وهل أصبحت روحه مثقلة مثلاً أم خفيفة.
يقول أمير المؤمنين علي (ع): "واعلموا أن يسير الرياء شرك ومجالسة أهل الهوى منساة للإيمان" وهذه العبارة تكشف مدى تأثير المعاشرة على روح الإنسان وعلى شعلة الإيمان في القلب حيث تخبو شيئاً فشيئاً.
وإضافة إلى ذلك توجد عوامل أخرى تؤثر في اسوداد القلب سنبحثها في المستقبل بإذن الله.
وخلاصة الموضوع أن الإنسان لا يمكنه الوصول إلى الكمال دون إرادة منه، فتهذيب النفس للوصول بها إلى مدارج الكمال له أرضيته في روح الإنسان. قال تعالى: (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها). [الشمس: 9 ـ 10]
فالروح الإنسانية التي تنطوي على هذا الاستعداد في التكامل هي روح حية يمكنها النمو إذا ما توفرت لها الظروف المناسبة، ولهذا عبر القرآن عن الكافرين بأنهم موتى لفقدانهم ذلك الاستعداد في إشارة رائعة. قال تعالى: (لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين). [يس: آية 70]
والقرآن ليس شعراً، ليس خيالاً لكي يمكن تجاوزه. القرآن كتاب حقائق يسلط الأضواء ويكشف ما خفي عن بصيرة الإنسان. الإنسان في نظر القرآن كائن حي متى وجد في أعماقه الاستعداد للرقي والتكامل في طريق الصلاح، فإذا انتفى هذا الجانب انتفت صفة الحياة في داخله كالبذرة التي لا يمكن لها أن تنمو، ولذا فإن الخطاب موجه لمن في أعماقه بذور الخير والتكامل، وهو دعوة إلى النمو في طريق الكمال